ساد الصمت الممل على الجميع فى انتظار من يتكلم او يتنحنح او حتى يعتدل فى مقعده
.. إلا انهم إلتزموا جميعاً بحصة طويلة من الصمت ينظرون تارة لبعضهم .. يبتسمون ..
وتارة اخرى الى الارض .. محتارون .. وتارة اخيرة الى النجفة الضخمة فوقهم ..
منبهرون!!
ومن خلف الستار
شابة عشرينية تعقد حاجبيها فى غضب من هذا المشهد الدرامى المضحك .. فتزفر فى وجه
اختها هامسة :
- مالهم وكأن على
رؤوسهم الطير .. لا ينبسون ببنت شفه !!
تزفر اختها ايضاً
وكأنها تنتقم من زفرة العروس فى وجهها قائلة:
- ابوكى هو السبب
.. ظل يتحدث فى السياسة لمدة ساعة ونصف الساعة حتى اعياهم الحديث .. اقسم بالله لو
أنهم انهوا اللقاء دون فتح موضوع الزواج .. لكان خيراً لهم من حديث الثلاثاء الذى
لا ينفك اباكى من الخوض فيه بمناسبة ودون مناسبة
وخزتها العروس فى
كتفها فى حنق قائلة:
- احترمى والدك
حتى ولو لهذه الليلة
ثم رفعت يديها
تدعو :
- ربى صبرنى صبر
الفاتحين يااااارب
جذبتها اختها من
ذراعها بلهفة :
- انصتى خطيبك على
وشك الحديث
ظلا ينصتا للصمت
الذى قطعه العريس المنتظر قائلاً:
- يشرفنى يا حاج
.. أنى اتقدم لطلب يد كريمتكم الكبرى للزواج
انطلقت تنهيدة
ارتياح من الجميع لهذا التصريح المتأخر .. الذى اعقبه استحسان وقبول وتبريك وتهانى
من الجميع الى الجميع .. ابتسمت على اثرها الفتاتان .. وظهر على وجه العروس بعض
الخجل الضرورى لهذه اللحظة .. لم تكد اللحظة تنتهى حتى طلب العريس رؤية عروسته ..
كان طلبه متعجلاً وكأنه يخشى الافراط فى الفرحة الجمة التى اصابتهم .. ولكنه لم
يثير حفيظة احد .. بل قابلوه بالترحاب الشديد ..
وفى حجرة منفصلة
صافح العريس عروسته باهتمام وتفحصها بطريقة لم تختلف كثيراً عن فحص اجهزة فحص
الهوية قبل ان يتحدث بقالب ابتسامته الهادئة قائلاً:
- قبل ما اعرفك
على نفسى احب ان اتحدث عن ميولى واهتماماتى اليومية التى اتمتع بها الآن وبعد
الزواج .. وهى لن تختلف كثيراً عن اهتمامات اى رجل مسئول عن بيت واسرة .. وبما
اننى سأكون المسئول الاول والاخير عن حياة هذه الاسرة اذن يجب ان يخضع هذا الكيان
الى تعليماتى التالية ...
إزدرد لعابه وقد
ظهر القلق على وجه ام العروس الجالسة تستمع فى صمت الى زوج ابنتها فى المستقبل
متابعاً:
- أولاً احب ان
اتناول فطورى صباحاً قبل الذهاب للعمل .. فانا لا اتناول طعامى خارج البيت وهذا من
التوفير .. وعندما اعود اجد الغداء جاهزاً ولا تتذمرى عندما استلقى نائماً بعد
ارهاق اليوم الطويل .. ثانياً لا احب الخروج والفسح فهذا اسراف لا طائل منه .. ولا
داعى للعزومات والزيارات ففيها مجاملات باهظة الثمن .. يكفى الاتصال والود ..
ثالثاً ممنوع زيارة الاصدقاء للبيت او خارج البيت .. يكفى الاتصال بالهاتف ويرجو
الا يكون طويلاً حتى لا انزعج من قيمة الفواتير .. رابعاً لا داعى للانجاب فى
بداية حياتنا على الاقل لتجنب الوقوع فى مصاريف العلاج والتعليم مبكراً فضلاً عن
اننى لا احتمل صراخ وعويل الاطفال .. واخيراً توفيراً لمصاريف الزواج نكتفى بدبلة
وخاتم ولا داعى لحجز قاعة والمظاهر الفارغة .. فأنا رجل عملى بحت كما تلاحظين.
قالها .. وقد
ارتسم الوجوم على وجه الفتاة وامها التى هى على تمام العلم ان ابنتها العزيزة لا
يمكن ان تتكيف فى هذا الوضع الذى يعتبر مشين لفتاة تعشق الصخب والانطلاق وقلما
تمكنت منها يوماً لاجبارها على ترتيب حجرتها او اعداد فنجاناً من القهوة لوالدها
..
شردت الأم وهى
تنظر لابنتها التى اطالت التحديق بهذا الشاب الوسيم الأنيق الذى يعمل مهندساً فى
احدى شركات البترول رغم بخله الصريح الذى اعلنه بهذه المحاضرة العريضة دون خجل
وكأنه يتفاخر بهذا العيب الخطير فيه ..
مضت دقيقتين
كاملتين من السكون القاتل فى انتظار انفجار وشيك من الأم او ابنتها ..
- موافقة ....
فجرتها كالصاعقة
على رأس والدتها التى عقدت حاجبيها فى دهشة بالغة وحدقت فيها بحدة وكأنها تتأكد من
كونها ابنتها المعهودة .. وابتسم الشاب الوسيم لهذه الموافقة المباشرة .. الا انه
عقد حاجبيه إثر تعقيبها :
- ولكن بشرط ...
العريس فى قلق :
- ما هو هذا الشرط
؟؟
العروس فى ثقة :
- اعزمك خارج
المنزل مرتين فى الأسبوع .. على حسابى
كان شرطاً غريباً
فيه الكثير من التكليف .. ولكن لماذا؟؟ انطلق هذا السؤال فى ذهن الأم ولكن بلا
اجابة شافية ونفس السؤال اطلقه العريس ولكن على لسانه مستفسراً .. فهزت الفتاة
كتفيها قائلة فى بساطة :
- أرى انك ستحتاج
بعد يوم عمل شاق بعض التغيير اللازم بالخروج فى اماكن عامة .. وقد اشفقت عليك من
المصاريف الضارية .. فقررت ان تكون على حسابى بالكامل .. واطمئن سيتم تزييل هذا
الشرط بالكامل فى إستمارة عقد القران .. بحيث سيكون إلزامى وبشرط جزائى ضدى ان
قصرت فيه يوماً ما .
كان العرض مغرياً
للشاب الذى ابتسم وهو يقيسها من جميع الزوايا هندسياً كما تعود .. فوجد انه لن
يخسر شيئاً رغم تنازله عن احد شروطه وهى الفسح كما ذكر سالفا ولكن..
- ما المانع ؟
ابتسمت الفتاة فى
نشوة انتصار عقب هذه الاجابة الشافية واخذت الام تنقل نظراتها منها للعريس فى حيرة
من هذه الاتفاقية العجيبة فى اول يوم للارتباط .. فأسلمت امرها لله .. المهم
نسترها ونخلص ..
كان الصخب عالياً
بهذا المكان الكبير الذى يكتظ به الالوف من البشر .. من بينهم ظهر الشاب عاقداً
حاجبيه فى غضب صارخاً فى وجه زوجته :
- ألا يوجد مكان
انسب من هذا لتناول العشاء ؟!
الفتاة فى مرح :
- وهل يوجد اجمل
من العشاء مع كل فئات المجتمع؟! ومع هذه الفرحة الغامرة ؟! انه عرس رائع يا حبيبى
.. سأعوضك عن حفل زفافنا الذى فاتنا
قالتها وهى تناوله
قطعة من الدجاج المشوى بفمه وتضحك من تردده فى ان يهتم بتناول الدجاج الذى يحبه او
ان يستمر فى ابداء اعتراضه وغضبه .. وتعيد ضحكتها وهى تقول :
- هيا عش اجمل
لحظاتك .. فهى لن تتكرر الا مرتين فى الاسبوع
اتسعت عيناه فى
ذعر مكرراً:
- ماذا؟! .. مرتين
فى الاسبوع !! .. هل سنأتى هنا مرتين فى الاسبوع!!
اشارت الفتاه له
بابهامها محذرة :
- اياك ان تتذمر
انا انفذ الاتفاق وعليك ان تلتزم به من جانبك .. غير اننى مشتركة فى الرابطة منذ
سنوات
- اى رابطة ؟!
- رابطة أولتراس
أهلاوى
كان قولها له
عاصفاً .. أعجزه عن نطق حرفاً واحد .. فهو لا يحب كرة القدم .. ويبدو انه نسى
وضعها فى قائمته قبل الزواج .. وماذا لو منعها الآن .. سينفذ هو الشرط الجزائى
العكسى .. هو ليس بالمبلغ الضخم .. ولكن يصعب التفريط فيه .. فضلاً انها لن تصمت
هذه المتهورة وستقلب الدنيا رأساً على عقب بلا هوادة .. ظل ينظر اليها وهى تهتف
بحماس لفريقها .. فأقترب من أذنها يتمتم بصوت لم يألفه فى نفسه من قبل :
- هلا خرجتى مع
صديقاتك بدلاً منى .....
وأحرز الأهلى
هدفاً .. واحتضنته الفتاة .. وفى عينيها
فرحة نصر عظيمة
كاتب القصة القصيرة أ \ سامح على